إستئجار الهويات للعمل في بلجيكا: على الورق كل شيء يبدو قانونياً

موقع أخبار بلجيكا الآن _ بحسب رئيس هيئة التفتيش الإجتماعي في بلجيكا “ويليم فان باريس”، أصبحت عمليات الإحتيال التي يستأجر فيها أشخاص بطاقات هوية للعمل أكثر شيوعاً في بلجيكا، إلا أن إكتشافها لا يزال صعباً. وقال: “على الورق، يبدو كل شيء طبيعياً وقانونياً”.
حيث إستخدم شاب أفريقي يُدعَى إسحاق “بطاقة هوية شخص آخر لمدة سبع سنوات، إلى أن لاحظ أحد المُفتّشين في عام 2023 أنه لا يُشبِه الصورة الموجودة على بطاقته.
حيث أن حالة إسحاق ليست إستثناءاً في بلجيكا، بحسب “ويليم فان باريس” من هيئة التفتيش الإجتماعي البلجيكية. والذي قال: “خلال السنوات الأخيرة، تعاملنا مع حوالي خمسين حالة مماثلة”.
وتجري عمليات إنتحال الهوية في بلجيكا وِفق نمط شبه ثابت. حيث أن هناك “مُستأجِر” للهوية و “مالِك لها”. حيث يقوم المالِك بإعطاء بطاقة هويته لشخص آخر كي يتمكّن من العمل، مُقابل تعويض غالباً ما يكون جزءاً من راتبه.
وسيلة للبقاء في بلجيكا
يوضح “فان باريس” أن “المُستأجرين، ومعظمهم من أشخاص لا يحملون أوراقاً ثبوتية سارية، يرون في ذلك وسيلة للبقاء على قيد الحياة في بلجيكا”. وأضاف: “نتعامل مع حالات لأشخاص من دول أفريقية، ومن الصين، ومن الهند.
ورغم تورُّط الطرفين في الإحتيال، فإن “مُستأجر الهوية” غالباً لا يُدرك التبعات المالية الكاملة. فعادةً ما يحصل على نحو ثلثي أجره الصافي بالساعة. ويُدفع له المال نقداً، وأحياناً عبر وسيط. في المقابل، لا يحصل على مكافآت نهاية العام، ولا قسائم الطعام، ولا أي تعويضات أخرى، فضلاً عن ضياع حقوق التقاعد المستقبلية.
لماذا يصعب معرفة محتالين الهوية في بلجيكا؟
كثيراً ما يكون مالكو الهويات أشخاصاً يقيمون في دولتين، مثل بلجيكا وهولندا، ما يسمح لهم بالعيش في دولة وتأجير هوياتهم في أخرى. وفي حالة الشاب الإفريقي إسحاق، كان صاحب بطاقة الهوية يعيش ويعمل في هولندا.
حيث لا يوجد حالياً تبادل تلقائي للمعلومات لرصد الأنماط المشبوهة عندما يعمل شخص ما في دولتين في الوقت نفسه. وقال “فان باريس”: “لا توجد قاعدة بيانات أوروبية مُوحّدة لتتبُّع التوظيف. وإذا كنّا نشُك في شخص ما، نطلب معلومات من زملائنا في الدول الأوروبية الأخرى”.
من الجاني ومن الضحية؟
ترى مُنظّمة “Fairwork Belgium”، التي تدافع عن حقوق العمال غير المُسجّلين، أن مستأجر الهوية هو الضحية الحقيقية في هذا النوع من القضايا. حيث قال مديرها البلجيكي “يان نوكيرت”: “على عكس العمل غير المُعلن، تُدفع الضرائب في بلجيكا بشكل صحيح، وبالتالي لا يخسر المُجتمع والنظام البلجيكي شيئاً. ولكن في المقابل، لا يتقاضى مُستأجر الهوية الأجر العادل عن عمله، بينما يحصل المُؤجّر على راتب وحقوق تقاعدية عن عمل لم يؤدّه”.
لذلك، تدعو المنظمة إلى معاقبة مالكي الهويات في مثل هذه القضايا، مُعتبرةً أن “ذلك وحده كفيل بوقف دائرة الإحتيال”.
في قضية إسحاق، عُوقِب مالك الهوية وتم إلزامه بدفع أكثر من 50 ألف يورو له، في حين لم يُعاقب إسحاق نفسه. ويؤكد الأخير أنه لم يتلقَّ أي أمر بمغادرة البلاد. غير أن “فان باريس” يشير إلى أن الأحكام تختلف من قضية إلى أخرى، وقال: “في حالات أخرى، يفلت مالك الهوية من العقاب، بينما يُحكم على المستأجر، مثلاً، بخدمة مجتمعية، أي العمل لمدّة مُعيّنة بدون راتب”.
ويُعدّ كشف هذا النوع من الإحتيال صعباً، بحسب “فان باريس”. حيث قال: “كل شيء يبدو متوافقاً مع القانون. وغالباً ما تُركّز عمليات التفتيش على القطاعات عالية المخاطر، مثل المطاعم والمقاهي والفنادق، ومتاجر اللحوم، وشركات النقل”. لكنه يضيف أن إنتحال الهوية يحدث كثيراً في شركات أخرى أيضاً، “كالشركات مُتعدِّدة الجنسيات التي توظّف عدداً كبيراً من العمال المؤقتين عبر وكالات معترف بها”.
وتشارك عدّة جهات تفتيشية في مكافحة العمل غير القانوني، إذ تراقب دائرة الإشراف على القوانين الإجتماعية الحد الأدنى للأجور وساعات العمل، بينما يتحقّق المكتب الوطني للضمان الإجتماعي من دفع الإشتراكات، ويتولّى المكتب الوطني للتوظيف والمعهد الوطني للتأمين الصحي والإعاقة مراقبة الإعانات، فيما تشرف هيئة التفتيش الاجتماعي الفلمنكية على وكالات التوظيف المؤقت.
وكالات التوظيف المؤقت في بلجيكا
تُبرم نسبة كبيرة من عقود العمل التي تشهد إنتحال هوية عبر وكالات التوظيف المؤقت أي “مكاتب الإنتريم”. وكان برنامج “بانو” الإستقصائي في بلجيكا قد كشف هذه الظاهرة في عام 2021، حين قال شاهد عيان: “يرون رجلاً أسود أمامهم، وصورة رجل أسود على بطاقة الهوية. هذا يكفي”.
وقال “فان باريس” إن القطاع أصبح أكثر يقظة منذ ذلك الحين. فإذا سجّل شخص على سبيل المثال من سكان مدينة أنتويرب للعمل في مدينة روسيلارا، فهذا يُثير الشُبهات. كما نتلقّى بلاغات أكثر من وكالات التوظيف نفسها. ومع ذلك، لا تزال هذه الوكالات تُتجاوز أحياناً، إذ يُسجّل صاحب الهوية لدى مكتب التوظيف المؤقت، ولا يحضر المُستأجر إلا في يوم العمل الأول.
خيارات محدودة للبقاء
غالباً ما تمرّ عمليات إنتحال الهوية في بلجيكا دون إكتشاف لسنوات، كما في حالة إسحاق. وتدعو منظمة «Fairwork Belgium» إلى تفهّم أوضاع الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في مثل هذه الظروف. وقال “نوكيرت”: “بالنسبة لمن لا يملكون إقامة قانونية في بلجيكا، الخيارات محدودة للغاية ومنها: التسوُّل، أو الجريمة، أو الدعارة، أو العمل بشكل غير قانوني أو بهوية مزيفة. نحن لا نشجّع ذلك، لكنّنا نتفهمه”.







