ثلث سجناء بلجيكا بلا أوراق: لماذا لا تعيدهم بلجيكا إلى أوطانهم فورًا؟

موقع أخبار بلجيكا الآن _ تكشف إحصاءات رسمية حديثة أنّ واحدًا من كلّ ثلاثة سجناء في السجون البلجيكية لا يحمل تصريح إقامة ساريًا. رقمٌ يفتح بابًا واسعًا للأسئلة: إذا كان هؤلاء لا يملكون حق البقاء في بلجيكا، فلماذا لا يُنفَّذ الحكم في بلدانهم الأصلية بما يخفّف الضغط عن منظومة عقابية تعاني أصلًا من الاكتظاظ؟
ما وراء الرقم
- خلفية المشكلة: الاكتظاظ ليس ظاهرة عابرة في السجون البلجيكية، بل تحدٍ مزمن يتداخل فيه بطء الإجراءات القضائية، والبنية التحتية المحدودة، وارتفاع نسبة الموقوفين على ذمة المحاكمة، إلى جانب وجود سجناء بلا وضع إقامة قانوني.
- سؤال بديهي وإجابة معقّدة: قانونيًا وسياسيًا ولوجستيًا، نقل السجناء المحكومين إلى دولهم الأصلية أصعب كثيرًا من مجرد إصدار قرار إداري.
لماذا لا ترحّلهم بلجيكا ببساطة؟ هناك خمسة عوائق كبرى
1. إطار قانوني متعدد الطبقات
نقل تنفيذ العقوبة يستلزم أساسًا قانونيًا واضحًا: اتفاقيات ثنائية أو آليات تعاون قضائي دولي وأوروبي. في حالات كثيرة، لا وجود لاتفاق نافذ مع دولة المنشأ، أو أنّ الاتفاق يشترط موافقة الدولتين وأحيانًا موافقة السجين نفسه.
2. السيادة والتعاون الدبلوماسي
بعض الدول لا تُبدي استعدادًا لاستقبال مواطنيها المُدانين في الخارج، أو تربط القبول بشروط إجرائية طويلة (التحقق من الهوية، إصدار وثائق مرور، ضمانات الاحتجاز).
3. تعقيدات الإثبات والهوية
كثيرون بلا وثائق صالحة، وأحيانًا بلا جوازات. تثبيت الهوية يتطلب تعاونًا قنصليًا قد يطول، وقد ينتهي برفض أو صمت من سلطات البلد الأصلي.
4. معايير حقوق الإنسان
بلجيكا مُلزمة أوروبيًا ودوليًا بألا تُعرِّض شخصًا لخطر التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية عند نقله. إذا كانت أوضاع السجون أو الضمانات القضائية في بلد المنشأ مثار شكوك، يتعطّل النقل حتى مع وجود حكم نهائي.
5. تكاليف ولوجستيات عالية
تأمين المرافقة، الرحلات، إجراءات التسليم، وتنسيق «تطابق» العقوبة بين نظامين مختلفين—كلّها عمليات مُكلفة ومعقّدة زمنيًا، وقد تتعثر في أي حلقة من السلسلة.
ماذا تفعل بلجيكا اليوم؟
- توسيع قنوات التعرف وإثبات الهوية بالتنسيق مع بعثات قنصلية.
- إبرام اتفاقات نقل حيثما أمكن، مع محاولة توحيد الإجراءات داخل الاتحاد الأوروبي.
- فرز القضايا حسب الأولوية (مثلاً الجرائم الخطيرة أو من قضوا جزءًا كبيرًا من الحكم).
- تسريع المسارات القضائية لضمان ألا تُفرغ الطعون من مضمون النقل أو تُرحّله إلى ما بعد انتهاء العقوبة.
خيارات مطروحة على الطاولة
1. اتفاقات تنفيذ «مُكيّفة»: تصميم بروتوكولات مع دول منشأ محددة تضمن قابلية التطبيق السريع (نماذج موحّدة، آجال قصوى للرد القنصلي).
2. فرق مشتركة للتحقق من الهوية: وحدات بلجيكية–قنصلية تُنجز مقابلات وتطابقات بيومترية مبكرة داخل السجون.
3. ربط المساعدات الفنية بضمانات الاستقبال: دعم بنى الاحتجاز وإعادة التأهيل في دول المنشأ مقابل التزام واضح باستقبال المحكومين.
4. بدائل عقابية للجرائم منخفضة الخطورة داخل بلجيكا: مراقبة إلكترونية أو خدمة مجتمعية لتقليل الضغط على الأسرّة، مع إبقاء أولوية النقل للملفات ذات الأثر الأكبر.
5. تنسيق أوروبي لعمليات النقل والرحلات المشتركة: مشاركة الموارد الأمنية والرحلات لتقليص الكلفة والوقت.
6. نافذة زمنية إلزامية للرد الدبلوماسي: تحديد آجال قانونية للبعثات القنصلية لتوفير وثائق المرور، مع آلية تصعيد عند الصمت.
ما الفرق بين «الترحيل الإداري» و «نقل تنفيذ العقوبة»؟
الترحيل الإداري: إجراء هجرة يهدف لإبعاد شخص بلا حق إقامة بعد انتهاء قضيته الجنائية أو موازاةً لها، ويتطلب وثائق سفر وضمانات بعدم التعرض لانتهاكات.
نقل تنفيذ العقوبة: آلية قضائية/دولية لنقل تنفيذ الحكم نفسه إلى دولة أخرى، عادةً دولة جنسية السجين، وفق اتفاقات وموافقات متبادلة وقد تشمل، أحيانًا، موافقة المحكوم.
في النهاية، لا يكفي فقدان الأوراق لنقل السجين تلقائيًا. فبين حكم جنائي داخل بلجيكا والتزام حقوقي دولي وسيادة دول أخرى وفواتير لوجستية باهظة، تتشعّب المسارات وتتأخر النتائج. نعم، يمكن أن يساهم النقل المنظّم في تخفيف الاكتظاظ. لكن بشرط أن يترافق مع إصلاحات موازية داخل المنظومة العقابية، وتعاون خارجي واقعي، وضمانات صلبة لحقوق الإنسان.