اخبار بلجيكا الآن

مارك دوترو: وحش بلجيكي هزّ عرش بلجيكا

موقع أخبار بلجيكا الآن _ وُلد البلجيكي “مارك دوترو” في تاريخ 6 نوفمبر 1956 في منطقة “إيكْسِل” بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وهو الابن الأكبر لعائلة من المعلمين. حيث نشأ في بيئة عائلية مضطربة: خلافات بين والديه، أب كان يعمل معلّم، ولكنه متسلّط وغريب الأطوار. وأم كانت أيضاً معلّمة متسلّطة وباردة العاطفة. لذلك لم يجد “مارك دوترو” طفولة طبيعية؛ بل نشأ منعزلًا، باردًا، فاقدًا للمشاعر، كما وصفه أساتذته.

مع مرور الوقت، ظهرت عليه ميول عدوانية، ورغبة في السيطرة والتلاعب بالآخرين، وهي سمات سترافقه مدى حياته.

بداية مسيرته الإجرامية في بلجيكا

في شبابه، انغمس البلجيكي “مارك دوترو” في عالم الجريمة: سرقة سيارات، احتيال، اعتداءات. وفي عام 1989، حُكم عليه بالسجن 13 عامًا بتهمة خطف واغتصاب خمس فتيات تتراوح أعمارهن بين 11 و19 عامًا.
لكن، ورغم خطورة جرائمه، خرج بعد ثلاث سنوات فقط بعفو مشروط. هذا القرار الكارثي سمح له بمواصلة أفعاله لاحقًا على نطاق أوسع وأكثر وحشية.

بناء “الزنزانة السرية في منزله”

بعد خروجه من السجن، اشترى عدة منازل في مناطق مختلفة، وفي أحدها (في بلدية Marcinelle التابعة لمدينة شارلروا)، قام ببناء غرفة سرية تحت الأرض: زنزانة بلا نوافذ، معزولة عن العالم، ستكون مسرحاً لمآسي لا تُنسى في بلجيكا.

صورة الشرطة البلجيكية عند زنزانة مارك دوترو داخل منزله.

اختطاف الضحايا

بين يونيو 1995 وأغسطس 1996، اختطف “مارك دوترو” ست فتيات بلجيكيات:

  • الطفلتان جولي وملْيْسا (8 سنوات): اختطفهما في يونيو 1995. ثم احتجزهما في الزنزانة السرية، وتعرضتا لسوء المعاملة حتى ماتتا جوعًا عندما كان “مارك دوترو” في السجن لفترة قصيرة، ولم يُطعمْهما. حتى أنه قال لزوجته عند زيارته في السجن، أن تقوم بزيارة المنزل الذي به الأطفال، ولكنها ذهبت إلى هناك وأطعمت الكلاب فقط.
  • الفتاة “أن” التي تبلغ من العمر (17 عامًا) والفتاة “فيفجي” التي تبلغ (19 عامًا): اختطفهما في أغسطس 1995. بعد الاعتداء عليهما جنسياً، قُتلتا ودُفنتا في حديقة منزله.
  • الطفلة سابين تبلغ من العمر (12 عامًا): اختطفت في مايو 1996 واحتُجزت 80 يومًا.
  • الطفلة لاتيتيّا (14 عامًا): اختطفت في أغسطس 1996.

في النهاية، نجا من هذه المأساة فقط الطفلتان “سابين” و “لاتيتيّا”، بينما ماتت الأخريات في ظروف مروعة.

أخطاء الشرطة والعدالة البلجيكية

القضية كشفت عن سلسلة من الإخفاقات الأمنية والقضائية:

  • عند تفتيش منزل مارك دوترو، سمع الضباط أصوات أطفال، لكنهم افترضوا أن الأصوات من خارج المنزل، مع أن هذه الأصوات كانت من الزنزانة الموجودة أسفل المنزل بباب سري.
  • عُثر على أشرطة فيديو توثق جرائم مارك دوترو، لكن لم تتم مشاهدتها لأن الشرطة البلجيكية لم تحضر جهاز تشغيل فيديو! تخيلوا لو شاهدوا الفيديوهات، كانوا سيعرفوا مكان الزنزانة.
  • كل هذه الأخطاء ساهمت في استمرار الجرائم وسقوط المزيد من الضحايا.

القبض على مارك دوترو

في تاريخ 13 أغسطس 1996، اعتُقل مارك دوترو مع زوجته “ميشيل مارتن” وشريكه “ميشيل ليلييفر”. وبعد يومين، اكتشفت الشرطة البلجيكية الزنزانة السرية، حيث كانت سابين ولاتيتيّا على قيد الحياة.
لكن الصدمة الكبرى جاءت بعد أيام، عندما عُثر على جثث أربع ضحايا وهم “جولي ومليسا، أن، وفيفجي” مدفونات في منزله.

صورة لحظة العثور على جثث الضحايا في منزل مارك دوترو.

الهروب الصادم

في 23 أبريل 1998، وأثناء جلسة في محكمة بمدينة “نيشفوت” البلجيكية، تمكن “مارك دوترو” من الهروب لبضع ساعات. لكن تمت إعادة القبض عليه بفضل حارس غابات يُدعى “ستيفين ميشو”، في حادثة زادت من غضب الشعب البلجيكي، وصدمت الحكومة البلجيكية. المثير للجدل أن مارك دوترو ضحك أثناء القبض عليه، وحاول استخدام سلاحه، لكنه كان فارغًا.

الغضب الشعبي – “المسيرة البيضاء”

القضية فجّرت واحدة من أكبر المظاهرات في تاريخ بلجيكا. أكثر من 300 ألف مواطن بلجيكي نزلوا إلى شوارع بروكسل في ما عُرف بـ المسيرة البيضاء.

المتظاهرون لم يطالبوا فقط بالعدالة للضحايا، بل اتهموا الشرطة البلجيكية بالتقصير، وربما حتى التواطؤ. هذه المظاهرات أصبحت رمزًا لفقدان الثقة في النظام القضائي والشرطة البلجيكية.

المحاكمة والنهاية

بعد سنوات من التحقيقات والتأجيلات، بدأت المحاكمة في عام 2004.

  • مارك دوترو: سُجن مدى الحياة. لم يخرج حتى كتابة هذا المقال.
  • زوجته ميشيل مارتن: 30 عامًا، ولكنها خرجت من السجن.
  • شريكه ميشيل ليلييفر: 25 عامًا لكنه أيضاً خرج من السجن.

لكن رغم الأحكام، بقيت أسئلة كثيرة بلا إجابة: هل كان مارك دوترو يعمل بمفرده؟ أم كان جزءًا من شبكة أكبر لم تُكشف؟ ولماذا تجاهلت الشرطة البلجيكية دلائل واضحة؟

الصورة النفسية لمارك دوترو

أوضحت التقارير الطبية أنه لم يكن مختلًا عقليًا. حيث كان بكامل وعيه عندما ارتكب جرائمه، وكان يتمتع بذكاء عالٍ وقدرة كبيرة على التلاعب.

ولم يكن متعلقًا بالأطفال بشكل خاص، بل اختارهم لأنهم ضعفاء وسهل السيطرة عليهم. كما لم يظهر أي شعور بالذنب أو التعاطف، وكان يرى المجتمع البلجيكي بأسره عدوًا له.

إرث الجريمة

حتى اليوم، وبعد مرور أكثر من 30 سنة، لا يزال اسم “مارك دوترو” يثير القشعريرة في بلجيكا. وقصته ليست مجرد جريمة، بل جرح غائر كشف عن ثغرات النظام القضائي البلجيكي، وأعاد طرح أسئلة حول دور الدولة في حماية الأطفال في بلجيكا.

قضيته أظهرت كيف يمكن لشخص واحد أن يستغل ضعف الآخرين، وكيف يمكن للإهمال أن يحوّل الجرائم الفردية إلى مأساة في بلجيكا. واليوم، كلما ذُكر اسمه، يعود السؤال المؤلم: هل يمكن للعدالة البلجيكية وحدها أن تمحو البراءة التي سُلبت من الضحايا؟ وهل هناك ضحايا لم يعترف عليهم “مارك دوترو” حتى الآن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة حاجب الإعلانات

نحن نستخدم إعلانات جوجل لتحسين الموقع، لذلك من فضلك، إذا أردت أن تقرأ المقال والمعلومات المهمة، يجب أن تقوم بفك الحظر عن الإعلانات في المتصفح الخاص بك. وشكراً لك.