سبع سنوات بهوية مستأجرة في بلجيكا: قصة إسحاق بين العمل غير القانوني وفقدان الإصبع

موقع أخبار بلجيكا الآن _ عمل إسحاق لمدّة سبع سنوات في بلجيكا بإسم رجل آخر، مُستخدماً بطاقة هوية لا تعود له. حيث قال لقناة VRT: “كانت رواتبي تُودَّع في حسابه البنكي، وكان يدفع لي حوالي 800 يورو نقداً كل شهر”.
وتُعدّ ممارسة إستئجار الهويات شائعة بين الأشخاص الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية سارية في بلجيكا، مثل إسحاق، الذي يتساءل بمرارة: “هل كان سيكون من الأفضل لو سرقت؟”. لذلك هذا خطأ بلجيكا وليس خطأي. لو أعطوا لي الأوراق، لما إستأجرت هوية لكي أعمل من أجل إرسال الأموال إلى أطفالي.
في يونيو/حزيران 2023، داهمت أجهزة التفتيش شركة لوجستية في مدينة “خنت” بمقاطعة “فلاندرن الشرقية”. ولاحظ المفتشون سريعاً وجود خلل: حيث أن أحد الموظفين لا يُشبه الصورة الموجودة على بطاقة هويته. فتح ذلك الباب لتحقيق في إنتحال الهوية وإصابة عمل تَمثّلت في فقدان إصبع، وهو ما قاد المُحقّقين لاحقاً إلى شخص آخر يعمل في هولندا.
بالنسبة للرجل الذي كان يعمل بهوية مُستأجرة في بلجيكا، وإسمه المُستعار إسحاق، تم إكتشاف أنه كان يعمل بهوية شخص آخر يسكن في هولندا. حيث يروي إسحاق قصته للمرة الأولى.
عبر البرّ والبحر والجبال
تبدأ قصة إسحاق في غرب أفريقيا. حيث قال: “كان لأحد زملائي في الدراسة صِهرُّ في بلجيكا. وكان يجلب أجهزة موسيقية نستخدمها بعد المدرسة. عندها قلت لنفسي: “سأذهب إلى هناك يوماً ما”.
وترك إسحاق أطفاله الثلاثة خلفه، وسافر من خلال دولة النيجر، ثم إلى الصحراء الليبية، قبل أن يستقل قارباً إلى إيطاليا. وقال: “كان ذلك عام 2015، إنطلقت الرحلة من مدينة طرابلس في ليبيا. وطوال الرحلة كانت بلجيكا وجهتي”. وأضاف، وصلت إلى إيطاليا ثم عبرت الحدود إلى فرنسا سيراً على الأقدام، في مسارات هجرة جبلية معروفة، قبل أن أصل أخيراً إلى بلجيكا بالقطار.
هوية مُستأجرة
لم يكن لدى إسحاق أي خطة، ولا أوراق ثبوتية. وقال: “لم أتقدّم بطلب لجوء. ولم أكن أعرف كيف أفعل ذلك، وفي البداية نمت في كنيسة”.
حيث كان يتلقّى الطعام من روّاد الكنيسة، إلى أن جاءه عرض له من خلال وسطاء، تعرّف على “إيمانويل” رجل يملك أوراقاً ثبوتية في بلجيكا وقال: “إلتقينا في مدينة خنت وأبرمت صفقة معه، حيث وافقتُ على إستخدام هوية إيمانويل مقابل إقتطاع جزء من الراتب وكنت راضياً بذلك.
من خلال مكاتب العمل المؤقت ” الإنتريم”، حصل إسحاق على وظائف عدّة في مدينة خنت، من بينها العمل في مختبر شركة أغذية. وفي البداية كان يتقاضى حوالي 800 يورو نقداً شهرياً، ثم 1000 يورو. ولزيادة دخله، عمل أيضاً لدى مُوزّع صحف. وكان يبدأ عمله الأول قرابة الساعة 2:30 فجراً، ثم ينتقل إلى عمله الثاني عند الثامنة صباحاً. وقال: “كان ذلك يُغطّي الإيجار والطعام وأجرة الحافلة. وما تبقّى كنت أرسله إلى أطفالي”.
الإصبع المفقود

يتذكّر إسحاق فترة عمله في شركة الأغذية قائلاً: “عندما خفّ العمل في المُختبر، طُلب مني تنظيف بعض الأنابيب. كنت واقفاً على سلّم، فانزلقت وسقطت”. كان ذلك في فبراير/شباط 2018. “عندها أدركت أنني فقدت جزءاً من إصبعي”. في المستشفى، أخبره الطبيب بأن الإصبع لا يمكن إعادة وصله.
على مدى سبع سنوات، عاش إسحاق بهوية إيمانويل، ما قاده إلى مواقف غريبة. وقال: “كان عليّ أن أحتفل بعيد ميلادي في يوم ميلاده. وأحياناً كان الناس يهنئونني بعيد ميلادي، وأنسى أنه من المفترض أن يكون عيد ميلادي”.
حيث إستمر الإحتيال إلى أن جاءت المداهمة في عام 2023. تم إقتياد إسحاق للإستجواب لساعات، وتخلّلت التحقيق أسئلة أربكته، من بينها الإستفسار عن تاريخ زفاف إيمانويل، وهو ما لم يعرفه. وواصل المُحقّقون تعقّب إيمانويل، ليكتشفوا أنه يعيش في هولندا ويعمل لدى جهتين. أنكر في البداية تأجير هويته، لكن الأدلّة دحضَت روايته. كما تبيّن أيضاً أن إيمانويل لا يعاني أي فقدان في الأصابع.
عشرات الآلاف من اليورو
تتبّع المفتشون مسار عمل إسحاق وزاروا جميع أصحاب العمل. في المُحصّلة، حقق إيمانويل عشرات آلاف اليوروهات من عمل إسحاق. ورغم أن إسحاق كذب بشأن هويته “وهو أمر غير قانوني” فإن القاضي أصدر في سبتمبر 2025 حكماً يقضي بإسترداد إسحاق مبلغ 47500 يورو من الأجور المُحتجَزة لدى إيمانويل، إضافة إلى نحو 8600 يورو تعويضاً عن حادث العمل. وقال إسحاق: “لكنني لم أرَ شيئاً من هذه الأموال والتعويضات حتى الآن”.

موقف صاحب العمل
تحدثنا أيضاً إلى أحد أصحاب عمل إسحاق، وهي شركة أغذية في مدينة خنت. قال أحد المديرين: “لم نكن نعلم شيئاً عن الهوية المزيّفة. وعندما جاء المفتشون، لم أصدق الأمر”. وأضاف: “كان يعمل بدوام شبه كامل كعامل مؤقت وقدّم عملاً قيّماً. وعندما سمعت أنه كان يتقاضى أجراً زهيداً، شعرت بحزن شديد”. وأكد أن الشركة عاملته كأي زميل، ودعته إلى حفلاتها وقدّمت له هدية عيد ميلاد، وساعدته بعد حادث العمل قدر المستطاع. “من المؤسف أنه لم يحصل في النهاية على التعويض المناسب”.
تزايد حالات إنتحال الهوية في بلجيكا
بعد إنكشاف السر الذي أخفاه سبع سنوات، يعيش إسحاق اليوم مع صديق يشتري له الطعام ويمنحه أحياناً بعض المال لإرساله إلى أطفاله. حيث أنه لم يعمل منذ عامين، ويعتمد على دعم مجتمع الكنيسة وأعمال بسيطة متفرقة. وقال: “لا يعلم بما حدث لي إلا أقرب أصدقائي”. ولم يتلقَّ حتى الآن أمراً بمغادرة البلاد بعد التحقيق.
لا يصف إسحاق إيمانويل بأنه “شخص سيئ”، ويختم قائلاً: “تعاملت مع وثائقه وفق شروطه”. كما يعترف بأنه كذّب ووافق على إنتحال الهوية، لكنه يتساءل: “هل كان من الأفضل لو سرقت المال من جيوب الآخرين؟”. ويضيف: «يقول البعض: يجب أن يتم إعادة ذلك الرجل إلى بلده. أما أنا فأريد أن أعمل. حيث أن العمل يساهم أيضاً في دفع الضرائب في بلجيكا. لكن لكل شخص الحق في رأيه”.
ملاحظة: إسحاق وإيمانويل إسمان مُستعاران. كما حُذفت بعض التفاصيل عمداً، بينما الأسماء الحقيقية معروفة لهيئة قناة VRT البلجيكية.







